728 x 90



img

تأتيني رسائل كثيرة ومشكلات يذكر فيها صاحبها أو صاحبتها مشكلته وينهيها بأنه يفكر في الطلاق ولكنه يخاف على الأطفال ونفسيتهم وتربيتهم أو لا يوجد عنده بديل آخر أو يخاف من فقدان الأمان أو يعلم أنه لن يرتاح حين يعود إلى منزل أهله
وأتعجب من سهولة هذا التفكير بالرغم من بساطة المشكلة أو عدم التفكير في حلول أخرى أو بديله للحياة
وأظل أتساءل لماذا وصلت الأمور إلى ذلك الحد ..؟؟
هل هو سوء اختيار من البداية ؟؟ أم انعدام ثقافة الزواج وعدم وعي الطرفين الى المعنى الحقيقي للزواج ؟؟ ام تمكن مشاعر اليأس والكراهية من الطرفين ؟؟
ونحن نعلم جيدا أن الطلاق هو أحد الحلول ولكنه آخرها .. نلجأ اليها حينما نشعر باستحالة العشرة وانعدام المودة والرحمة .. نلجأ اليها حينما نستخدم كل الحلول الممكنة و المتاحة بين ايدينا وتدخل القريب والبعيد والقاصي والداني مع استنفاذ كل محاولات عدم هدم المنزل واعادة ترميم ما تهدم من الحياة الزوجية وانقاذ حياتنا واطفالنا من مصير مجهول وحياة جديدة لا نعلم كيف ستدار وكيف سيكون شكلها ..
فقرار الطلاق ليس بهذه السهولة و لا يصح أن يكون قرارا متهورا غير مدروس وغير مأمون نتائجه .. وكما لا يصح أن يكون أحد أوراق الضغط لاكتساب حقوق مفقودة كالاهتمام أو الحب أو الاحتواء أو الاحترام أو الوفاء والأسباب لا تعد ولا تحصى ..
فأحيانا يكون طلب الطلاق هو من باب الضغط للإعلان عن التمرد على شكل الحياة التعيسة البائسة من وجهة نظر أحد الاطراف .. ولكن من الخطورة التلويح به من الرجل أو بالطلب من المرأة بشكل او بآخر لأننا لا نعلم رد فعل الطرف الآخر فقد يكون متهورا ويلبي الطلب ولا يقبل بالرضوخ لأي ضغط تحت اي ظرف .. وهنا لا نجد الا منزلا قد تهدمت اركانه وتشتتت معالمه دون التفكير في أية عواقب مادية أو نفسية سواء على الطرفين أو الاطفال التي بينهما ..
فقد شرع الله تعالى الطلاق وجعله درجات و له عدد من المرات ومن حكمته تعالى ان جعل الطلاق ثلاثا على فترات متباعدة لعل كل طرف يراجع نفسه ويحاول ان يصلح ما افسده الزمن ويعودا الى بعضهما البعض ببداية جديد وحياة جديدة .
كما ورد في سورة البقرة﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون ﴿
فالتفكير السريع في الطلاق والانفصال دون البحث عن حلول و اللجوء الى الصبر ومحاولة الاصلاح ما هو الا تفكير شيطاني .. يوسوس به في عقولنا وقلوبنا حتى نفترق وهي غايته ومبتغاه وقرة عينه .. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:« إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة. يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا. فيقول: ما صنعت شيئا. قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته. - قال: - فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت » رواه مسلم.
أخي الحبيب ... أختي الحبيبة
قبل التفكير في الطلاق فكرا في كل الحلول .. امنحا أنفسكما فرصة وهدنة وإجازة لإعادة ترتيب الحياة والبدء من جديد .. فكرا في حياتكما قبل الزواج وكم كانت سعيدة تحلمان بأن يجمعكما بيتا واحدا .. فكرا في أن يتنازل كل منكما للآخر حتى تستقيم الحياة .. فكرا في أطفالكما وتأثير انفصالكما عليهم .. فكرا في الإصلاح قبل الهدم و الاستمرار قبل الإنسحاب والإنتصار قبل الهزيمة .. لا تستجيبا لشيطانكما ولا تأخذكما العزة بالإثم والعناد والتكبر وعدم القدرة على التنازل من اجل حياة أفضل .. فالطلاق احيانا يكون هو الحل نعم ولكنه آخر الحلول فآخر العلاج الكي .. فالطائرة بها باب للطوارئ ولكننا لا نلجأ اليه الا عند استحالة اكمال الرحلة ولكي ننجو بحياتنا .
حفظكم الله واسعد قلوبكم وبارك في بيوتكم وذريتكم

د. محمـد حسين رضوان حسن
دكتوراه في البحوث والاستشارات , دبلوم الارشاد الاسري والتربوي