728 x 90



img

الصيام فرصة لتنمية العديد من المهارات، ونقول فرصة لأنه إذا لم يستثمرها الفرد فإنه حتما سيفقدها، ولتقريب الصورة نسوق لك المثال التالي:
إذا كنت من هواة صيد الأسماك، وأخبرك شخصا بأن منطقة ما في البحر بها تجمع كبير للأسماك، وأنه هناك فرصة كبيرة لاصطياد عدد كبير منها، فإنك إذا ذهبت إلى هناك واكتفيت بالمشاهدة، فإنك بالطبع ستشاهد تجمع الأسماك، ولكنك لن تصطاد شيء، وبالتالي لن تستفيد من هذا التجمع، أما إذا أحضرت شبكة الصيد، وأخذت بالأسباب وتحركت، فإنك حتما ستغتنم الفرصة وستصطاد أكبر عدد ممكن من الأسماك. فهكذا شهر رمضان، فهو فرصة رائعة لتنمية العديد من المهارات التي تمكنك من إحداث تغيير إيجابي في حياتك. وأريد أن أنوه إلى أنه يمكن تنمية هذه المهارات ليس لدى الراشدين والكبار، ولكن أيضا يمكن تنميتها لدى أولادنا الذين بلغوا سن التكليف، ومن هذه المهارات ما يلي:
- الصيام ينمي القدرة على التحكم في الذات والانفعالات، وضبط السلوك، ويجعل الفرد محافظا على السلوك الجيد. فالصائم حينما يتعرض لموقف ضاغط، تجده يتذكر أنه في شهر كريم يلتمس فيه الأجر، وبالتالي يقلل من ردة فعله العنيفة تجاه هذا الموقف، ولعلنا نتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ"
- يقوي الإرادة؛ حيث إن الصيام يخضع ما يشتهيه الفرد لإرادته، فأنت تمتنع عن كل ما أحله الله لك في النهار برغم رغبتك فيها، مثل الطعام والشراب، ولكنك بإرادتك تمتنع عن ذلك وتوجه رغباتك وتشبعها في وقتها المناسب وهو وقت الإفطار. كما يستفاد من ذلك تقوية الإرادة اللازمة للتخلص من الإدمان وخاصة التدخين.
- يساهم الصيام في تنمية قدرة الفرد على تحمل المشقة والتعب، فمثلا يتحمل الفرد التعب من أجل مواصلة العمل والإنتاج في نهار رمضان.
- يقوي الصيام صفة التواضع وعدم الغرور، فهو يهذب النفس ويجعل الشخص لين الجانب في حديثه مع الآخرين، ويعطف على البسطاء والمحتاجين، وكل هذا رغبة في الأجر والثواب من الله.
- الصيام يشعر الفرد بالطمأنينة والراحة النفسية والفكرية، والسكين والهدوء والخشوع، لأنه يستشعر الأجر والثواب من الله.
- الصيام يشعر الصائم بالسعادة والتفاؤل وحب الحياة؛ لأنه حينما يفطر يشعر بسعادة كبيرة وأنه قد حصل الأجر من الله، ولنتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: " لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا؛ إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ, وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ". كما أن الفرد حينما يشعر بأنه قد عمل عملا ذو قيمة متمثلا في الصيام، فإن ذلك يحفزه نحو العمل الإيجابي أكثر فأكثر. ولذلك فإن الصيام يساعد في الحد من بعض الاضطرابات النفسية مثل القلق والتوتر والوسواس القهري.
- الصيام ينمي القدرة على التخطيط وتنظيم وإدارة الوقت، فمثلا تجد عقلك مبرمجا أتوماتيكيا على أوقات ثابتة ومحددة، فللعمل وقتا محددا، وللإفطار وقتا محددا، وللسحور وقتا محددا. حتى حينما تريد أن تقضي وقتا ممتعا مع أصدقائك أو عائلتك فإنك تحدد وقتا ثابتا، فكل هذا تدريب عملي على كيفية التخطيط ليومك وكيفية إدارة وقتك بطريقة منظمة تدخل على نفسك السعادة.
ولقد وجد أن الشخص الذي يخطط ليومه ويحقق أهدافه اليومية فإنه يحافظ على مستويات ثابتة من هرمون الدوبامين وهو أحد هرمونات السعادة.
- ينمي الصيام لدى الفرد المهارات الاجتماعية؛ حيث تزداد العلاقات الاجتماعية عمقا بين أفراد العائلة، كما تعم مظاهر التراحم بين الناس، فتنتشر السعادة والراحة النفسية بين الجميع، كما يجعل الفرد أكثر تعاطفا وإيجابية مع الآخرين وخاصة البسطاء من الناس، ولذلك يساعد الصيام في الحد من اضطراب الاكتئاب؛ لأن الفرصة تكون مواتية للمكتئب من أجل الخروج من دائرة اليأس، ومشاركة الآخرين في أحاديثهم وصلاتهم بالمسجد، وصيامهم، والإفطارات الجماعية.
نخلص من ذلك إلى أن الصيام فرصة ذهبية من أجل أن يسمو الفرد بذاته وأن ينمي مهارات حياتية تساعده في النجاح والتميز في حياته، كما تحميه من الاضطرابات النفسية التي يمكن أن تصيبه نتيجة الضغوط الحياتية المتتالية.
أ:محمد كمال.