728 x 90



img

إن الشخصية المستبدة تتحكم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم ويحاكمهم بهواه لا بشريعتهم ، ويعمل من نفسه أنه الغاصب المعتدي ، فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من الناس يسدها عن النطق بالحق والتداعي لمطالبته ، ونجد شخصية المستبد عدو للحق وللحرية .
المستبد لا يكترث بكل من حوله ويجهل أن مساعدة الآخرين والنظر إليهم بعين الرأفة والإهتمام طريق العظماء الذي انتهجوه ، ذلك أن الجماعة غلبت الفرد ، فكلما نظرت للناس وكأنهم جزء منك ، لهم الحق في التعبير والعمل دون وجود النزعة الذاتية ، كلما استطعت بناء فريق عمل منتج ومتعاون قادر على العطاء .
إن الأسلوب الإستبدادي في الصراخ على الناس لن يثمر إلا أفراداد متمردين غير متعاونين ، بينما البحث عن روح الصداقة والزمالة ، وإيجاد جسور مشتركة من الحب والإحترام هو الطريق الأسلم .
غالباً النمط الاستبدادي من الناس أشقياء وغير سعداء ويفتقدون للأمن النفسي ، فهم في حالة من القلق والتوتر الدائم ، وفي شعور مصاحب لهم بالتهديدات ، وهذه الحالة تزيد من وتيرة الاستبداد لديهم فهم لا يسمحوا للآخرين بهامش من النفوذ أو تفويض للسلطة والمسئولية خوفاً من رد الفعل الانتقامي ، وأن يقعوا تحت طائلة المسائلة والعقاب، ربما يكون هذا السلوك فطري غريزي ، أو إنه نتيجة لظروف اجتماعية صعبة وقاسية . أو الاثنين معا. يعزز من سلوك الشخصية المهيمنة ضعف واستكانة وإيثار السلامة من جانب الفئة المستكينة الهادئة من الناس التي لا تستطيع أن تقول رأيها ولا تناضل من أجل حقها ، وتستخدم أسلوب المهادنة، فكأنها تعطي مكافأة لهذا السلوك المتطرف المنحرف ليزيد في عنفوانه وسيطرته. الشخصية المسيطرة غالباً تبدأ ظهورها في سن مبكرة في صورة حب الذات (الأنا) نتيجة لشعورها المفرط بالكره من جهة أحد الوالدين أو قسرها على السير في مسار معين يرضي طموح الوالدين ، أو نشأتها على حب الاستحواذ على كل شيء تريده وترغبه ، مستغلة عاطفة الوالدين. فهذا السلوك المبكر يلعب دور كبير في ولادة الديكتاتور المنتظر . على الرغم من إن سلوك هؤلاء يعد تحدياً صعباً للمتعاملين معهم إلا إنهم يستحقون العطف والرثاء لحالهم. الناس التي تعاني من الضعف في قدرتها على اتخاذ القرار هم في الغالب خاضعين تحت سلطة قوية قاهرة . تنكأ جراحهم ، وتضعف باستمرار من ثقتهم بأنفسهم ولا تخلق لهم الفرص لنمو جانب الاستقلالية في اتخاذ قرارات تخصهم ، ولا تشجعهم على الخطأ ، ليتعلموا الصواب . هؤلاء الناس لا يريدون سوى التحرر من هذه القيود ، فهم لا يسعون ولا يتطلعون إلى أخذ أدوار المسيطرين ، ولكنهم يريدوا أن يزيدوا من رصيد مهاراتهم واستقلاليتهم . هذا كما قلنا ليس بالشيء الصعب، ويمكنك استخدام بعض التقنيات السهلة الممتعة والمنجزة .
والقرآن الكريم مليئ بالمواقف التي تنبذ الإستبداد وتدعو إلى المساواة والعدل وإحترام آراء الآخرين فلا مجال للإستبداد وإلغاء العقول ، مصداقا لقول الله تعالى : " وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله " الشورى 38 .
لقد حرص الأنبياء والرسل على فك عقول البشرية من عبادة غير الله تعالى والانقياد له سبحانه وتعالى ، لأن الاستبداد يقيد حرية الأفراد وينغص عليهم حياتهم ، فهو يستولي على العقول والأجسام فيفسدها ويقاوم الرشد والتعقل ، ولنتأمل في مقولة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما قال : " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا " .
إن الجو الحواري الهادئ يسمو على كل مفهوم يفاخر به المنهزمون ، إنها الشورى التي تفسح صدر الحاكم مهما علت مكانته للمعارضة النظيفة والمواجهة الشريفة .


الدكتور / العربي عطاء الله
استشاري في الإرشاد النفسي والأسري