728 x 90



img

قالت: “هل يسير التغير الاجتماعي عندنا بخطى السلحفاة ولا زلنا في بداية سلم التغير الاجتماعي؟” قلت: “بالمفهوم الشامل الذي تقصدينه نعم، فما ورثناه عن آبائنا وأجدادنا من عادات وتقاليد وثقافة توارثت عبر آلاف السنين لا يمكن أن يتغير بالسرعة التي تتوقعينها”.
قالت: “وما فائدة المحاضرات وورش العمل الكثيرة التي تتناول موضوعات مختلفة، مثل موضوع العنف الأسري، وبيت الطاعة …. الخ؟، إذن كل هذا بلا فائدة”.
قلت: “لا نستطيع القول بأن هذه المحاضرات الورش ليست لها فائدة، فبعض الموضوعات والظواهر التي كانت محرمة في الماضي نجدها تُناقش الآن في الشارع بين العامة والخاصة، وهذا في حد ذاته نوع من التغيير، فلو نظرنا مثلا إلى الاضطرابات النفسية فإن عدد الحالات التي تأتي طواعية وبنفسها من أجل العلاج في ازدياد، في حين أنها قديما عندما كانت تُذكر أمام القدامى من كبار السن فإنهم يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم معتبرين أن هذا ما هو إلا مس شيطاني”. تنهدت وقالت إذن متى يأتي التغير الاجتماعي المطلوب؟؟؟
للإجابة على هذا السؤال لابد أن نتطرق إلى معنى التغير الاجتماعي، وإلى كيفية التغيير في الاتجاهات والآراء والأفعال فى مجتمع ما دون الخوض في نظريات التغير الاجتماعي الواسعة، وهنا نريد أن نحدد أبعاد التغير الاجتماعي التي من الممكن أن تقاس كماً وليس نوعاً وسوف نقصر النظر هنا على مستويات التغير الاجتماعي التي يمكن أن نقسمها إلى مستويات ثلاثة كالتالي:
المستوى الأول: التغير في الاتجاهات والآراء والأفعال على المستوى الفردي.
المستوى الثاني: الأسلوب الذي تنتشر به أفكار جديدة أو ممارسات جديدة أو معتقد جديد في مجتمع ما، وما تلاقيه هذه الأفكار من ترحيب وتقبل في مجتمع ما، ومحالة التعرف على العوامل التي تساعد على تقبل هذا الجديد.
أما المستوى الثالث فهو المستوى المجتمعي، ونقصد هنا التغيير من مجتمع تقليدي أو محافظ وبلغة أخرى تخلي المجتمع عن بعض المعايير التقليدية ليتحول إلى مجتمع عصري. وبدون الخوض في تفاصيل وتعاريف ماهية المجتمع العصري وماهية المجتمع التقليدي والتعرض للنظريات المعقدة في هذا المجال، فاننا ببساطة يمكن القول بأن مفهوم العصرية هو تقبل مجتمع ما للأفكار والتكنولوجية الحديثة. فالمجتمع العصري إذن أكثر ميلا إلى التجديد وأكثر تطوراً وتقدمية وأكثر منطقية من حيث التفكير الاقتصادي، فهو يزن كل شئ بموازين مادية ويتميز بتكنولوجية نامية ومتطورة ودرجة عالية على تقسيم العمل، والشخص الذي ينتمي إلى مثل هذا المجتمع أكثر تحضرا من حيث المهنة إذا ما قورن بالشخص التقليدي، والمجتمع العصري يقدر بشكل كبير العلم والمتعلمين، ومنفتح على العالم في العلاقات الاجتماعية، ويهتم بالتخطيط، ويتبني القرارات على أساس العقل والمنطق، ويميل أعضاء هذا المجتمع إلى اختيار أكثر الوسائل فاعلية وقدرة على الوصول إلى الأهداف المرجوة، ويتميز كذلك بالتجديد، وعصرية المعايير، والتقدم التكنولوجي، والتعليم والتفكير المنطقي. والجدير بالذكر إن لنا حضارة فيها من الأصالة الشئ الكثير والذي يجب علينا كأفراد وشعوب عربية أن نحافظ على أصالتنا والقيم المتجذرة فينا، مثل احترام الصغير للكبير، والحث على العلم وتقدير العلماء، والترابط الأسري، واحترام القيم والمعاير الأخلاقية الحميدة وتمجيدها.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، إلى أن يتجه التغيير الاجتماعي الذي نقصده؟، وكيف يمكن أن نقيسه؟ وأن نقول إننا نتجه من المجتمع العائلي إلى المجتمع العقدي، ومن المحلية إلى الانفتاح، ومن التكافل إلى التعايش، ومن المجتمع الشعبي إلى المدني، ومن العائلة الممتدة إلى العائلة الصغيرة. وبالطبع فإننا لا نلمس هذا التغيير في الوقت الحالي بشكل كبير إلا أن المؤشرات تدل على هناك تغيير؛ فقبل عشرات السنوات كان الشخص يتزوج ويقيم عند أمه وأبيه ويسكن بيت العائلة ويفضل السكن في نفس المنزل الذي قضى فيه طفولته وترعرع به إلا أننا نرى ذلك بدأ في الانحسار، وهنا لا نحلل مدى سلبية وإيجابية هذا التغير؛ حيث أنه ليس المكان المناسب لطرحه ومناقشاته الآن. وبقي أن نقول إن قياس هذا التغير قياسا نوعيا صعب وبحاجة إلى وقت لدراسته، ولكن من السهل أن نقيسه كميا، وهنا نستخدم عدة مقاييس لقياس التغير الاجتماعي مثل مقياس لينر وغيره من المقاييس.
إذن كيف يحدث التغير الاجتماعي وكيف تتغير اتجاهات وآراء وأفكار الناس؟، وللإجابة على هذا السؤال يجب التنويه لما سمعته من العالم المصري الأستاذ الدكتور أحمد شوي العقباوي؛ حيث قال: “إن الإنسان عبارة عن ثلاث مستويات، المستوى الأول يشمل التفكير والإدراك، والمستوى الثاني يشمل المشاعر والاتجاهات، بينما المستوى الثالث يشمل السلوك”، فأحيانا كثيرة يسمع الإنسان معلومة جديدة أو أفكارا جديدة ولكنها تخرج من أذنيه اليمنى واليسرى دون المرور بالعقل ودون تحليلها أو إعارتها أي اهتمام، وبالتالي لا تؤثر في توجه الشخص ولا تغير من سلوكه أو العكس، كما أن هناك بعض الأفكار تمر عبر العقل ثم إلى المشاعر ولكن لا تصل إلى المستوى الثالث وهو السلوك.
إذن لكي يتغير الإنسان يجب أن تمر الأفكار والآراء من خلال المستويات الثلاثة التي تم الإشارة إليها، وفي حياتنا اليومية أمثلة كثيرة على مدى ارتباط التغير بهذه المستويات الثلاثة؛ فمثلا نسمع طبيا مدخننا يشرح ويوضح لنا آثار التدخين ومخاطره الصحية، ثم تجده بعدها يبدأ بتدخين السيجارة مستمتعا بها، وهذا المثال البسيط يثير لدينا تساؤلات كثيرة، أيهما يعبر عن اتجاه هذا الطبيب الرأي؟ أم الفعل؟ أم السلوك؟ هنا يرى الكثيرون أننا نستطيع الكشف عن الاتجاهات من خلال الأفعال لا الآراء؛ وذلك لأن الرأي قد يتماشى مع منطقية القضية وإقناعها، أو قد يتحاشى استجابة الشخص وردود الأفعال أو الاستجابات البدائية.
بعد هذا التوضيح نعود إلى موضوعنا الرئيسي الذي يتركز حول التغير الذي يطرأ على الآراء والأفعال والاتجاهات، فالتغيرات الثقافية العاملة التي تحدث في المجتمع ما هي إلا تغيرات تعكس مدى ما تصل آلية المناقشات حول الآراء المتعارضة، ومن ناحية أخرى نجد أن هناك علاقة متبادلة بين التغيرات الثقافية العامة وبين التغيرات التي تطرأ على الاتجاهات والآراء؛ فنجد أن سمة جديدة على مجتمع ما تمثل موقفأ تتصارع الآراء حوله بالقبول أو الرفض سواء كان كانت هذه السمة مادية أو غير مادية، فالقضايا والأفكار التي يدور حولها جدل شديد هذه الأيام مثل حرية المرأة والصحة وعلاقتها بحقوق الانسان وحقوق الطفل وبيت الطاعة وكثير من هذه القضايا، في هذه الحالة تبرز عدة احتمالات منها القبول أو الرفض، أو قد يقبل البعض ويرفضها البعض الآخر، ففي الحالتين الأولى والثانية دار جدل ونقاش وانتهى هذا الجدل إما بالقبول وإما بالرفض وهنا تكون القضية قد أثارت آراء متعددة وإن لم تكن غيرت في آراء الناس واتجاهاتهم قد خلقت شيئا جديداً للجدل والمناقشة، وهذا يعكس مدى استيعاب الناس لهذه الأفكار ومدى تقبل ذلك، أما الاحتمال الأخير فهو يثير تساؤل غاية في الأهمية وهو لماذا يتبنى البعض أراء واتجاهات قديمة في حين يرفض البعض الآخر مثل هذه التوجهات والآراء؟ ما العوامل الثقافية والاجتماعية والنفسية التي تساهم في عملية التغير الاجتماعىي؟
لماذا يقبل شخص ما الاراء والأفكار الجديدة ويحاول التملص من القديم؟