728 x 90



img

الصوم وصحتك النفسية
الصوم له دور كبير في بناء شخصية المسلم وقد أحب الله تعالى لنا أن تصلح حياتنا ويستقيم منهجنا ونسعد سعادة لا نظير لها وهناك ارتباطا قويا وعلاقة متينة بين فريضة الصوم وخليقة الحلم .
تتجلى في رمضان أسمى غايات كبح جماح النفس وتربيتها بترك بعض العادات السيئة وخاصة عندما يضطر المدخن لترك التدخين لفترة محدودة ، فالصائم هنا يشعر بالطمأنينة وراحة النفس والفكر ويحاول أن يبتعد عن كل ما يفسد صومه من المحرمات والمفسدات ويحافظ على سلوكه في هذا الشهر الكريم .
الصوم يربي في الفرد المسلم الخشونة والرجولة والجود والكرم وغيرها من الصفات الحميدة التي يجب أن يتصف بها المسلم .
إن الصيام يزيد من قوة الإنسان وقدرته على التغلب على الشهوات ، والصيام ليس فقط الامتناع عن الطعام والشراب ولكنه قبل ذلك امتناع عن الميول للشهوات والتفكير فيها .
إنه بالفعل مدرسة نفسية روحية تقوي أصحابها وطلابها ، وتزودهم بالتربية الروحية الصحيحة والتقويم والتهذيب وتحثهم على عدم التنافر والتحاسد والتباغض ، واستمع إلى قول الله تعالى : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عدواة كأنه ولي حميم ، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ) فصلت 34،35 .
فالصيام من أعظم العون على محاربة الهوى وقمع الشهوات وتزكية النفس وإيقافها عند حدود الله، فيحبس لسانه عن اللغو والسباب والانطلاق في أعراض الناس، والسعي بينهم بالغيبة والنميمة المفسدة. كما يردعه عن الغش والخداع والتطفيف والمكر وارتكاب الفواحش، وأخذ الربا أو الرشوة، وأكل أموال الناس بالباطل بأي نوع من الاحتيال. ويجعل المسلم يسارع في فعل الخيرات من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة على وجهها الصحيح وجهاتها المشروعة، ويجتهد في بذل الصدقات وفعل المشاريع النافعة، ويحرص على تحصيل لقمة العيش من الوجه الحلال، ويحذر من اقتراف الإثم والفواحش، فضلاً عن الاسترسال بها. وإذا نسي أو غلبته نفسه على فعل معصية ذكر الله سريعاً فأناب إليه واستغفر وتاب مما أصاب، لما غرس فيه صوم هذا الشهر المبارك من خشية الله .
الصوم مدرسة يتربى فيها المسلم على الإيمان الحقيقي , الإيمان الذي تزينه التقوى والمراقبة والمراجعة والمحاسبة , الإيمان الذي يتربى فيه المسلم على الحمد والشكر والتحمل والصبر , الإيمان الذي يجمله علم ويحليه حلم , الإيمان الذي حدد المولى تبارك وتعالى أهدافه ومقاصده في آيات الصيام ، قال الله تعالى : ” يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ” البقرة 183 ، وقال تعالى : ” شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ” البقرة 185 .
و فيه من القيم النبيلة والدروس النافعة المفيدة للفرد والمجتمع ، ولو بحثت في جميع أنحاء الأرض لن تجد مدرسة تجمع بين الدنيا والدين ، وبين التعليم والتربية ، والتثقيف والإرشاد والتوجيه ، وإن وجدتها ألفيت مناهجها التربوية قاصرة لا تفي بحاجات الإنسان الفطرية والنفسية والروحية .
وإنك لو بحثت في جميع الدساتير الأرضية فستجدها قاصرة أيضا في التربية والتقويم والإصلاح ، وهذا يرجع إلى اعتماد أصحابها على عقولهم ومنطقهم المحدود .
والله سبحانه وتعالى منحنا دستورا سماويا خالدا ومنهاجا ربانيا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فيه كل ما نحتاجه في حياتنا الدنيا ومصباحا منيرا نهتدي به إلى مرضاة الله تعالى وفيه سعادتنا في الدنيا والآخرة .
وبما أن هذا القرآن الكريم نزل في شهر رمضان شهر التوبة والغفران ، فأردت أن ألقي الضوء على بعض من المعالم التربوية التي تزخر بها مدرسة الصوم .
ويعتبر الصوم أحد ينابيع السعادة الروحية ، وطريق تزكية النفس وتطهيرها والسمو بها إلى مدارج الكمال ، وإبعادها عن الركون إلى الدنيا والتمسك بها .
والإنسان كما نعلم مادة وروح ، فالمطالب المادية لها اعتبارها وقيمتها تبعا لخصائص جسم الإنسان الذي خلقه الله تعالى ، فأبدع صنعه وأودع فيه دوافع وقوى وطاقات وحاجات ، ينبغي على المسلم أن يضعها في الحسبان ويعطيها أهميتها .
وللمطالب النفسية والروحية شأن عظيم ومكانة عالية إذ هي التي تحدد خصائص شخصية الإنسان وصفاته السلوكية ومظاهر حركته الاجتماعية ، وأنماط تفاعله مع الناس ، و باعتباره وسيلة علاجية تؤدي دورا هاما في إعلاء شأن الروح ، كي تكون في مقامها الصحيح ، الذي هو مقام القيادة والإشراف والتوجيه .
فهو مدرسة تربوية للأمة لتقرير منهج الله تعالى في الأرض ولتستعلي على ضرورات الجسد كلها ، ولتحتمل مشقات الطريق المفروش بالعقبات والأشواك ، والذي تتناثر على جوانبه الرغبات والشهوات ، و أعظم مرب للإرادة ، وكابح لجماح الأهواء ، فالصوم لا مثل له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” عليك بالصوم فإن لا مثل له ” رواه مسلم .
رمضان شهر التآخي والألفة وندرة الانفعال والغضب … وهذا الجو الروحاني الهادئ يترك أثره على فسيولوجية الإنسان مما يؤدي إلى نقصان في إفراز المواد المهيجة والتي قد تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم ، يقول الدكتور العالمي ( ألكسيس كاريك ) في كتابه الإنسان ذلك المجهول : ( إن كثرة وجبات الطعام وانتظامها ووفرتها تعطل وظيفة أدت دورا عظيما في بقاء الأجناس البشرية وهي وظيفة التكيف على قلة الطعام ، ولذلك كان الناس يلتزمون الصوم والحرمان من الطعام إذ يحدث أول الأمر الشعور بالجوع ويحدث إلى جانب ذلك ظواهر خفية أهم بكثير منه ، فإن سكر الكبد سيتحرك ويتحرك معه أيضا الدهن المخزون تحت الجلد وبر وتينات العضل والغدد وخلايا الكبد وتضحى جميع الأعضاء بمادتها الخاصة للإبقاء على كمال الوسيط الداخلي وسلامة القلب ، إن الصوم لينظف ويبدل أنسجتنا ) .
والصوم يجعل الإنسان يكون في حالة من التواضع والخشوع والاتجاه الصحيح إلى الله ، وهذا ما يعزز إيمان الإنسان ويقوي عقيدته ويعمق الخشوع والإحساس بالسكينة والتحكم في الشهوات وإنماء الشخصية .
إنه يعطي الفرصة للإنسان لكي يفكر في ذاته ويعمل على التوازن الذي يؤدي إلى الصحة النفسية ويدرب الإنسان ، وينمي قدرته على التحكم في الذات ، قال صلى الله عليه وسلم : ( كل عمل ابن آدام له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ، والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم ، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ) رواه البخاري .
فلا يليق بالصائم التقي العاقل أن يطلب الشر ، ويؤثر السفاهة والحماقة على الحلم والرشاد ، ولا يليق به أيضا وفي هذا الشهر المبارك أن يكون فريسة لدوافع الغضب وعوامل الهيجان والانفعال والغضب والمقاتلة والمشاجرة ، ولا يليق به وهو في شهر التقوى والغفران أن ينزل إلى الدرجات السفلى تاركا المنزلة الكريمة الرفيعة التي كرمه الله بها .
الصيام يربي في الفرد المسلم الخشونة ويربيه على الجود والكرم والقناعة والرضا بالقليل ، رمضان شهر التآخي والألفة وندرة الانفعال والغضب ….وهذا الجو الروحاني الهادئ يترك أثره على فسيولوجية الإنسان مما يؤدي إلى نقصان في إفراز المواد المهيجة والتي قد تؤدي إلى ارتفاع في ضغط الدم .
وهذا قليل من كثير من الفوائد الصحية العظيمة التي تعود على الصائم ، وعلى ضوء هذا ندرك أن للصيام مكانة عظيمة في الإسلام شأنه في ذلك شأن العبادات والواجبات والأركان الأخرى .
إن الإسراف في الأكل يؤدي إلى نتائج خطيرة في الجسم البشري أهمها فقدان عضو الدماغ نشاطه وفعاليته الحيوية وسلبه قابليته الفكرية ومواهبه وقدراته العقلية ، ويجز به إلى دنيا الكسل والجمود والنوم الكثير إلا أن مدرسة الصيام جاءت لتعلم الإنسان كيف يعطي الحق للجسم وللروح ، وجاءت هذه الصرخة مدوية في ميادين الصحة وعالم الغذاء ، قبل أربعة عشر قرنا ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ) .
والطب الحديث اليوم يوصي باستعمال سلاح الصيام من أجل الزيادة في التركيز الذهني والتعمق الفكري الذي يستوجب حضور الصفاء العقلي والهدوء العصبي ، فالصيام يبعث في النفس البشرية المشاعر والأحاسيس المنعشة التي تعطي الفكر طاقة ذهنية عالية ، والقدرة على السيطرة والتحكم في ممارسة التركيز الذهني العميق وقوة الذاكرة وحصر الفكر واسع الأطراف في نقاط ومراكز جوهرية ثابتة
والصيام الحقيقي يؤدي إلى تهذيب الفكر والنفس ونيل رضى الله تعالى ، ولا بد للمسلم أن يستفيد من الصيام فإنه رياضة روحية يصل إلى ذروة الكمال الجسماني والعقلي .
والتقليل من الطعام في هذا الشهر له فوائد كثيرة منها :
1- الإقلال من الطعام يرقق القلب ويزيده قربا من الله تعالى .
2- الشبع ينسيك إخوانك الفقراء والمساكين ، أما الإقلال يجعلك تعيش مع إخوانك
3- يدفع عنك كثرة النوم ، فهذا شهر عبادة وصلاة وقراءة قرآن وذكر .
4- يعلمك الانكسار والذل ويبعد عنك التكبر والخيلاء .
وهذا الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول : ما شبعت منذ ستة عشر سنة إلا شبعة أطرحها لأن الشبع يثقل البدن ويزيل الفطنة ويجلب النوم ويضعف صاحبه عن العبادة .
والصوم كفارة للخطايا ، قال صلى الله عليه وسلم : ” فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ” رواه البخاري .
ويكفي الصائم تشريف الله والملائكة بالصلاة عليه ، قال صلى الله عليه وسلم : ” إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين ” .
والصوم نجاة من النار ، قال صلى الله عليه وسلم : ” من صام يوما في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقا كما بين السماء والأرض ” ، وهناك باب اسمه الريان لا يدخل منه إلا الصائمون فإذا دخلوا أغلق ” .
والصوم يجعل الإنسان يكون في حالة من التواضع والخشوع والاتجاه الصحيح إلى الله، وهذا ما يعزز إيمان الإنسان ويقوي عقيدته ويعمق الخشوع والإحساس بالسكينة والتحكم في الشهوات وإنماء الشخصية.
إنه يعطي الفرصة للإنسان لكي يفكر في ذاته ويعمل على التوازن الذي يؤدي إلى الصحة النفسية ويدرب الإنسان، وينمي قدرته على التحكم في الذات .

د/ العربي عطاء الله قويدري
أخصائي علم النفس العلاجي