728 x 90



img

يعد "تحسين الصحة والعافية النفسية" إحدى الأولويات المتعلقة بالفئات السكانية في الاستراتيجية الوطنية للصحة 2018 – 2022، ويتمثل الهدف الاستراتيجي للأولوية في زيادة وعي المجتمع حول الأمراض النفسية وخدمات الصحة النفسية والحد من الوصمة المرتبطة بالمرض النفسي، ومن هذا المنطلق تخصص "الشرق" هذه المساحة بالتنسيق مع جمعية أصدقاء الصحة النفسية "وياك" لاستعراض بعض القضايا النفسية، السلوكية والأسرية من أفواه أصحابها، للدفع نحو رفع وعي المجتمع بضرورة الاعتراف بالاضطراب النفسي، واللجوء إلى ذوي الاختصاص لإيجاد الحلول الناجعة.

ابنتي واكتئاب ما بعد طلاقي من والدها

تقف محطتنا اليوم، عند اضطراب قد يعاني منه أغلب المراهقين، إذ تشير إحدى الأمهات اللاتي تعاني من معاناة ابنتها، وهي تقف عاجزة مكتوفة اليدين، موضحة أنَّ ابنتها تبلغ من العمر 16 عاما، وتعاني من اضطراب النوم، وتذبذب الشهية وقلة الطعام المصحوبة بأعراض بدنية كالصداع المستمر، وآلام في الجهاز الهضمي، فضلا عن عدم انتظام بدقات القلب، وصعوبة في التركيز، الأمر الذي أثر على تحصيلها الدراسي، متسائلة الأم هل من الممكن أن يكون انفصالها عن زوجها –والد ابنتها- هو السبب، في هذه الحالة الآخذة بالتطور سلباً.

وفي هذا الإطار أجاب الدكتور وائل مصطفى-أخصائي إكلينيكي-، موجها حديثه للأم بقوله " إنَّه يجب الأخذ بعين الاعتبار أنَّ الابنة لا تزال بمرحلة المراهقة، أما العامل الآخر وهو المرجح هو الطلاق بينك وبين الوالد، وهو ما قد يزيد من احتمالية ان يكون الطلاق بينكما له عامل كبير في هذه الاعراض، وهي الأقرب للتفسير الصحيح، هو انه من الممكن ان تكون الابنة متعلقة بوالدها تعلقا شديدا فإن هذه الأعراض النفسية هي اعراض غير مباشرة ترمز للرغبة في الاحساس بالاهتمام من قبل الوالد وهنا قد تحقق رغبة لا شعورية في ان يكون الوالد بجانبها بسبب تلك الأعراض هذا من جهة ، ومن جهة اخري قد يكون السبب هو مشاعر اكتئابية حقا نتيجة الانفصال ايضا حيث انه في بعض حالات الطلاق قد يشعر الابناء بصدمة نتيجة لعدم تهيئتهم لهذا القرار ويكون هناك تخوف من فقدان احد الوالدين بسبب الطلاق لذلك يدخل الطفل في الاكتئاب."

ونصح الدكتور وائل مصطفى ضرورة الاستماع إلى الابنة للتعرف على ما تشعر به بصورة دقيقة، ومعرفة الاضطراب الذي تعاني منه او الذهاب لأحد المتخصصين في العلاج النفسي فهي في حاجة لأن تتحدث مع متخصص حتى يتم مساعدتها والتخلص من تلك الأعراض وكلما كان ذلك في سن مبكرة كلما كان هذا افضل حيث يكون الحل اسهل وفي نفس الوقت يعد هذا الاجراء بمثابة الوقاية من الوقوع في هذه الاعراض مرة اخرى في المستقبل.

أمي مصابة بالذهان

أما محطتنا الثانية، فتتناول نوعا آخر من أنواع الاضطراب النفسي، إذ تعاني سيدة ستينية من اعتقادها بأنَّ هناك من يتواصل معها من خلال الاستماع إلى أصوات، إلى جانب الأوهام البصرية، ويشير أحد أبنائها إلى أنهم عرضوها على طبيب نفسي لتشخيص حالتها، إلا أنَّها لم تلتزم بالجرعات الدوائية التي خصصت لها، وبات أمرها يزداد سوءاً، رافضة أن يصمها أحد بـ"الجنون".

وفي هذا السياق أوضح الدكتور وائل مصطفى، قائلا " إنَّ الحالة تنم عن إصابة السيدة بالذُهان، وهو في حقيقة أمره أنواع متعددة، وفي حالات كثيرة منه قد لا يكون الشخص المصاب به على دراية بطبيعة مرضه، وهو بالتالي ينكر فكرة أنه مريض وأنه يحتاج للعلاج؛ لذلك هناك العديد من الحيل للتخلص من هذه المشكلة."

وعلَّق الدكتور وائل مصطفى على رفض وصمها بـ"الجنون"، موضحا أن ذلك أمر طبيعي؛ لأن المجتمعات العربية تخشى وصمة الاضطراب النفسي، كما أن تعامل المجتمعات العربية مع المرض النفسي يفتقد للثقافة الصحيحة للتعامل مع مثل هذه الحالات، كما أن مدلول الكلمة قوي وله أثر نفسي صعب على الشخص، هذا بخلاف بعض تصرفات الأشخاص المحيطين كالأهل والأقارب ؛ والتي قد تكون مؤذية للشخص من الناحية النفسية دون قصد منهم، وبالتالي تكون النتيجة كما ذكرت أنها سترفض فكرة أنها مريضة ومن ثم ترك العلاج، وهنا تبدأ الحالة في التدهور والانتكاسة ؛ لذا فإنه ينصح في مثل هذه الحالات أن يكون هناك طريقة ذكية للتعامل مع المريضة ؛ فبعد اجراء كل الفحوصات والتشخيص الطبي النفسي الذي قامت به الحالة يتعين أن يبدأ التمهيد لمساعدتها علي تَقبل فكرة أنها تعاني من مشكلة معينة ، وتحتاج للعلاج وهذا هو دور الفريق العلاجي وخاصة الطبيب النفسي أو الأخصائي النفسي ، وليس من الضروري التركيز على المعاناة من المرض العقلي أو الذهان، حتى يتم إيصال لها فكرة أنها مجنونة ، لكن من الممكن أن يتم استخدام كلمات مقبولة ومريحة.

وأشار بالنسبة لموضوع الهلاوس البصرية والسمعية فإن هذه المشكلة تحتاج إلى العلاج الدوائي حتي يتم عودة الاتزان الكيميائي مرة أخرى، وبالتالي سوف تختفي هذه الأعراض، والمرحلة التالية من العلاج هي جلسات العلاج النفسي الفردي ؛ والتي سوف تساعدها مع مرور الوقت على التخلص من هذه الهلاوس التي تعاني منها، وتغيير مفهومها عن المرض وتقبله، ومن ثم تعلم مهارات تحديد نقاط القوة والضعف والنذر السيكولوجية الدالة على التحسن أو قرب الانتكاسة للمرض مرة أخرى ومن ثم اقتراح الخطط والحلول للتغلب على هذه المشكلة ومنع الانتكاسة.