728 x 90



img

خلق الله الإنسان وميزه وفضله من بين المخلوقات الكثيرة المتنوعة ، وأهم ما ميز الله به الإنسان العقل مناط التكليف ، وبه يضبط علاقته بربه ، وعلاقته بمن حوله ، وعلاقته بنفسه ومشاعره وأحاسيسه النفسية والروحية.
وعلاقة الإنسان بخالقة علاقة عبد بمعبود ، وكلما تذلل العبد وقام بالعبودية الحقة واختار الطريق الصحيح زاد قربا من ربه عز وجل ، وأحس بالأمن والأمان والراحة والاطمئنان.
والعبادة في الإسلام تشمل كل ما يتقرب به الإنسان إلى الله من الأعمال الظاهرة والباطنة ، إلا أن أعظمها التوحيد الخالص النقي من شوائب الشرك والبدع والخرافات والخزعبلات.
ولكون التوحيد أفضل وأجل عبادة لله سبحانه ، فهي أعظم وسائل الصحة النفسية التي ينشدها الإنسان، ومن حاد عن التوحيد وقع في الشرك الذي هو أعظم ذنب عصي الله به، ولا يغفره الله لمن مات عليه:”إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ”.
ومن أجل ذلك بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته بالتوحيد ، فلما ذاق حلاوته الصحابة الكرام نسوا متاعب الدنيا وأمراضها وأوجاعها ، وصار الواحد منهم في سعادة وراحة نفسية مهما كانت الظروف والأحوال.
وقد ضربوا أروع الأمثلة في تلك السعادة النفسية ، فهذا بلال يعذب فلا يبالي، وهذا عمار وأسرته يلاقون التنكيل فلا يصدهم عن إيمانهم وتوحيدهم لما وجدوا من الاطمئنان.
وكم لاقى الصحابة الكرام من الجوع والحصار والأذى ، فتغلبوا على كل ذلك بالإيمان وما تعمق في نفوسهم من راحة وصحة وسعادة.
فحبهم الشديد لله أنساهم حب غيره : ” وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ لله”.
فالإيمان والتوحيد والطاعة والعبادة غذاء للنفس كما أن للجسد غذاؤه، والإنسان في خلقته مركب من الجانب المادي(الجسد) ، والجانب المعنوي(الروح والنفس) ، وكل منهما يحتاج إلى الغذاء والدواء المناسب له المتوافق مع طبيعته.
وكلما قوي التوحيد وزاد الإيمان تغذت الروح وارتقى وارتفع الإنسان ، فعاش بروح عالية ونفس مطمئنة قوية ، وفارق أولئك الذين اعتنوا بالجسد وغذائه فقط، وذلك الارتفاع يوصله إلى مراتب الصالحين والأنبياء والملائكة الكرام ، فيعيش كأنه في الجنة ونعيمها، وهي دار السعادة والصحة.
فالإيمان بالله سبحانه وتعالى وزيادة التصديق والصلة به تجعل الانسان مطمئنا مرتاحا حتى لو كان جسده مرهقا متعبا ، بل حتى لو أصيب بمرض عضوي فإنه يتغلب عليه بالصبر والاحتساب واللجوء إلى الله والتعلق به سبحانه، ويرضى بما قدره الله عليه يطمع في الأجر والثواب ، وهذا الاحساس يخفف عليه كثيرا .
وهكذا الشأن مع كل عبادة صحيحة نقية ، فإنها توصل إلى الصحة النفسية ، وقد ثبت في مجموعة من الدراسات أن المواظبة على العبادات تساعد على تحسين الصحة النفسية وحتى البدنية.