728 x 90



img

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة السلام على رحمة الله للعالمين، وآله وصحابته أجمعين، وتابعيهم إلى يوم الدين

نشأت محبا للنفس وما يتعلق بها، ومهتما بالبحث عنها وسبر أغوارها
وكان من نافلة القول أن أحب التربية أيضا، حتى قبل أن أصير زوجا ووالدا
ثم قدر الله لي أن أعمل في ميدان الاستشارات النفسية والتربوية
ثم كان الطب النفسي، التخصص الذي فتح لي أبوابا أوسع
هذا كله، على مدى أكثر من نصف ما مضى من عمري

ولقد كان من أكثر ما شهدته في ميدان “النفس” هو خشية الناس من مواجهة الذات أو المسؤولية عنها
شهدت هذا في مشكلات الحياة اليومية، كما شهدته في العيادة النفسية

اليوم، وفي هذه السطور، أود أن أسلط الضوء على “ظاهرة جديدة”
ظاهرة، غير مسبوقة، باتت تتكرر بشكل يدعو للتوقف والانتباه
وهي: خشية الناس، ذكورا وإناثا، من التربية

وهذا ما صرت أطلق عليه “رهاب التربية” أو “رهاب المسؤولية”

يبالغ الناس أحيانا في انفعالاتهم وردود أفعالهم عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الآخرين
خصوصا ‘ذا كان هؤلاء الآخرون هم أحباءهم
ولعل الأطفال من أبرز الأمثلة على ذلك

ولقد نظرت
فترجح لي أن “رهاب التربية” قد يكون حاصلا لأكثر من سبب أو عامل؛ أذكرها هنا بترتيب ظهورها الزمني في حياتنا:

علامات الاستفهام الكثيرة والمتكررة حول مفاهيم النفس والتربية وما يتعلق بها.
الجهل بالنفس وبما تحتاجه من معارف ومهارات، وسوء الإعداد النفسي منذ الصغر وحتى لحظات الارتباط والزواج والإنجاب
تجربة (أو تجارب) شخصية سالبة في الماضي؛ أو التأثر السالب بكلمات وأحوال وقصص بعض المحيطين من الأقرباء والأصحاب وغيرهم، فيما يتعلق بتربيتهم (الفاشلة) لأطفالهم.
سوء، أو انعدام ما نعرفه باسم “الأمن النفسي” أو “التصالح مع الذات” والذي قد يؤثر سلبا في تقدير الشخص لنفسه، وبالتالي التوجس والقلق عند (التعامل مع الآخرين) أو تربية الأطفال، خشية عليهم من النفس.
الإعلام وأثره السالب؛ خصوصا في تناول حياة المتزوجين حديثا والوالدين، وتصوير نمط حياتهم على أنه صعب ومزعج.
الرغبة (الوهمية) في الكمال؛ وربما تأثر هذا بعوامل منها:
السمات الشخصية / التربية / التصوير (الملائكي) الذي يصوره بعض العلماء والدعاة لـ “العصر الذهبي” للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حيث يرسمون حياتهم وحياة أولادهم “كعالم مثالي”، مما يتسبب لنا بالشعور بالعجر وصعوبة اللحاق بهم وعدم إمكانية أن نكون مثلهم.
سوء، أو انعدام مفهوم “تقوى الله” وخوفه وخشيته وكيفية التقرب منه وابتغاء الوسيلة إليه في أهل البيت والعائلة، والأبناء بشكل خاص.

وربما كان هناك عوامل أخرى لم أذكرها هنا، ولكني أعتقد أنها ترجع بشكل أو بآخر لما ذكرته هنا.

أقول: تربية الطفل ليست مهمه سهلة
ولكنها مع هذا ليست “المهمة المستحيلة” أيضا
وليس من السر بمكان أنني أعرف (شخصيا) عددا من العائلات الذين يعيشون حياة سعيدة جدا
وربما تكاد حياتهم تخلو من أي صراعات تُذكر، على الرغم من اختلاف الوضع الاجتماعي والاقتصادي لهم

التربية، أو التزكية، هي مفهوم حياتي بكل ما تحمله الكلمة من معنى
مفهوم يرتبط بكل تفصيل من تفاصيل الحياة اليومية
من لحظة الاستيقاظ وحتى لحظة الاستغراق في النوم

ومن هنا
فإن علينا أن نفكر في “التربية” ونتعامل معها على أنها “رحلة حياة” أو “تجربة حياتية شاملة”
أي إننا بحاجة إلى أن نكون، أو نحاول أن نكون، على وعي كامل ومستمر بكل شيء تقريبا نفكر به ونشعر به ونفعله في حياتنا اليومية

كثيرا ما يوجه إلي، ويتردد على بريدي، هذا السؤال:
هل هناك كتاب واحد يكفيني في أمر التربية ؟!
وبعبارة أخرى: هل ثمة كتاب أحتاج لتطبيق كل سطر وكل صفحة فيه ؟!

ولإجابة السؤال أقول:

لا أعرف كتابا واحدا حوى “كل” ما نحتاجه في هذا
ولا أظن أن ثمة كتابا كهذا

ولكني أعود فأقول:

نعم، ثمة كتاب فيه هذا وأكثر
لكنه يحتاج منا إلى أن نحياه كمنهج حياة
وليس مجرد أسطورة أو قصة خيالية أو رواية مكتوبة بشكل جيد مبدع

أقول: القرآن والسنة النبوية هما مصدران كافيان للخروج بما نريده من قواعد تربوية
طالما استطعت أن أتعامل معهما بالتوقف والتفكير والعقل أو التدبر
لأخرج منهما بـ “أساسيات التربية النفسية” أو ما أسميه “فقه النفس”
ومن ثم أن أحياهما حياة عملية في اليوم والليلة، والبيت والشارع، والمدرسة والسوق، وهكذا

سؤال آخر: هل هناك طريقة واحدة فقط للتربية ؟!

أقول:
نعم
ولا

نعم
لأن الإنسان هو الإنسان في نهاية المطاف، والنفس هي النفس

لا
لأن لكل فرد سمة شخصية يتبعها طريقة خاصة لإيصال نفس الرسالة

ولقد اعتدت أن أتحفظ وأحذر كثيرا عند استخدام مفردة “قاعدة” أو “قواعد” إذا ما تعلق الأمر بالنفس الإنسانية وتزكيتها (أو تربيتها)
وكذلك الحال، طبعا، فيما يتعلق بتربية الأطفال
لأسباب: أهمها: اختلاف المنظومة النفسية بين ظرف وآخر، زمانا ومكانا، بل وربما في الشخص نفسه !!!

أقول:
ولكنني هنا، وبشكل استثنائي جدا
أعرض لبعض القواعد في تربية الأطفال

وسأبدأ بهذا السؤال:
ما الذي يحتاجه الأطفال في السنوات الخمس – السبع الأولى ؟!

فقه الوجود والاستخلاف؛ نحتاج في البداية أن نتعلم كيف نفهم ونجيب ونحيا “من أنا ولم أنا”، واعتبارها “منهج حياة” قبل أن نفكر في تقديم هذا (المفهوم/المنهج) لأطفالنا. وهذا هو ما نسميه “التربية بالمثال” أو “النمذجة” أو “القدوة” أي أن تكون نموذجا جيدا أمام الأطفال. والقيام بهذه “المثالية أو النمذجة أو القدوة” ليس بالأمر السهل، لأنه يحتاج منا (آباء وأمهات) أن نعيد النظر في طريقة عيشنا/حياتنا !!! بل وقد يحتاج الأمر إلى أن نعامل أنفسنا معاملة غير مسبوقة من القراءة والنقد والجدية والشدة والمتابعة والتقييم والتقويم؛ وهذا ما يدفع كثيرا من الآباء والأمهات إلى الهرب من (مسؤولية) التربية.
كما ذكرت في نهاية النقطة السابقة، فنحن في حاجة إلى فقه أنفسنا (قراءة وقبولا وتقديرا)
أولا. نجاحنا في هذا سيمكننا من المثالية أو النمذجة أو القدوة المذكورة هناك.
أما إذا أخفقنا في هذا، فإننا سنضع أنفسنا في نفس القالب الذي وضع آباؤنا وأمهاتنا أنفسهم فيه، ثم عاشوا حياتهم وهم يجترون آلامهم وينتحبون متقنعين بقناع (شهداء الواجب والتربية)، ثم هم يمنون علينا أنهم (شقوا) في تربيتنا !!!
ورد في الأثر: الإناء ينضح بما فيه وفاقد الشيء لا يعطيه.
إذا لم أكن مطمئنا / مطمئنة، فكيف لي أن أمنح من حولي الطمأنينة أو أسهم في خلق جو مطمئن ؟!
إذا لم أكن هادئا / هادئة، فلن يمكنني أن أتعامل مع الظرف / الشخص بهدوء، كما لن يكون من السهل أن أسهم في خلق جو من الهدوء في بيتي أو بيئتي
إذا لم أكن سعيدا / سعيدة، فلن يكون لدي ما أحمله لمن حولي من سعادة، بل كنت رسولا للشقاء
وإذا كنت غير راض / راضية في نفسي، فلا يمكن تلبية حاجات الآخرين بطمأنينة أو راحة بال
ومن هنا، فيجب أن يكون الآباء (على الأقل) مطمئني النفس عند التعامل مع الأطفال
ولقد اعتدت أن أقول: ليس ذنبا للطفل / للطفلة أن يكون الأب أو الأم مضغوطين (نفسيا) سواء من الداخل أو الخارج.
وإن من المثير للشفقة والسخرية أن يشتكي بعض الآباء والأمهات (وهن أكثر في الشكوى) من قدرة الأطفال على التحكم (أو التلاعب) بهم
ولهذا، فإننا ننصح دائما بأن يعطي الآباء والأمهات أنفسهم حقها من الوقت، والتخلية (أو التفريغ) أولا بأول، بحيث يكون لديهم “مساحة كافية” عند التعامل مع أطفالهم أو مع غيرهم.
بعد فقه النفس (الموجز في النقطة السابقة)، علينا أن ننتقل إلى تعلم المهارات والفنون المتعلقة بالتعامل مع الآخرين، وعلى رأسها: تقبل الآخرين بشكل غير مشروط، والاستماع والإنصات، والملاحظة، والتفكير، والتحليل، والاستدلال. هذه الفنون هي أدوات حيوية هامة لحياة سعيدة مع النفس أولا، ثم مع الآخرين (سواء أطفالنا أو غيرهم).
إذا بلغنا هذه النقطة، فالآن، والآن فقط، أستطيع أن أقول إنني مستعد / مستعدة (تقريبا) لتحمل مسؤولية الأبوة أو الأمومة.
وللبدء في طريق الوالدية، هناك بعض المتطلبات التي لا بد منها، ومن هذه المتطلبات ما يلي:
متطلبات الوالدية (المباشرة):
5/أ) بيئة مطمئنة وآمنة، قبل وأثناء وبعد الحمل. عليّ كأب / كأم أن أتأكد من مراقبة المدخلات التي ستتلقاها حواس الجنين/الطفل، لأن هذه المدخلات من شأنها أن تؤثر تأثيرا بالغا على شخصية الطفل لاحقا. وقد يعترض البعض بأن مراقبة المدخلات أمر مستحيل، فأقول: نعم، أتفق معك أن مراقبة (كل) المدخلات أمر مستحيل، ولكن الحد منها والتحكم في زخمها والتعليق عليها، كل هذا خيار ممكن، ولا أعتقد أن أحدا يمكنه أن يزعم باستحالة هذه الخيارات.

5/ب) تهذيب الصوت ومنع الصخب وخفض الضوضاء. وهذا يكون على مستويات مختلفة: المستوى الإنساني، والمستوى البيئي، والمستوى التقني-الميكانيكي.

أما على المستوى الإنساني: فيجب أن يراقب الآباء والأمهات ما يخرجونه من أصوات (من أنفسهم) ويدخلونه على أطفالهم. وعلى الآباء والأمهات أن يتعلموا ويدربوا أنفسهم على كيفية الحوار فيما بينهم بهدوء ودون صوت مرتفع، ودون صراخ، ودون مقاطعة، ودون تداخل أصواتهم مع أصوات أخرى (تليفزيون، راديو، مشغل أقراص CD، حاسوب، وغير ذلك؛ إلخ).

وأما على المستوى البيئي: فينبغي على الآباء والأمهات مراعاة ما يتلقاه الأطفال من البيئة (الاجتماعية): البيت والحضانة والروضة والمدرسة والأماكن العامة والحدائق والموصلات ومراكز التسوق والمطاعم واللقاءات الاجتماعية، وغيرها. ومن هنا، فأنا أشدد على ضرورة تنبه الآباء والأمهات وجرأتهم في المطالبة بحقهم في منع الصخب في أي مكان يتواجدون فيه، ومن هنا، فأنا أشجع الآباء والأمهات أن يطلبوا (بحسم وأدب) من الناس (مثل: الباعة، النوادل (الجرسونات)، سائقي سيارات الأجرة، وغيرهم) أن يمنعوا (أو يخفضوا) الأصوات غير المرغوب فيها (الموسيقى أو غيرها).

وأما على المستوى التقني-الميكانيكي: ويتصدر القائمة هنا (التلفزيون). فعلى الآباء والأمهات أن يتنبهوا إلى ما يلي: عدم تشغيل التلفزيون إلا حسب خطة واضحة وجادة (بشرط ألا يتعدى هذا الساعتين يوميا، بحيث تكون متقطعة وغير مستمرة)، أن يصمت الجميع إذا كان (تكلم) التلفزيون، أن يكون صوت التلفزيون حسب الحاجة السمعية، أن نقطع الصوت إذا كنا نتحدث معا أو إذا قطعنا هاتف أو في الإعلانات التجارية. ويلي ذلك الحاسوب، والهاتف الجوال، ومشغل الأقراص (CD)، وألعاب الفيديو، وغيرها.

5/ت) خطة يومية (أو جدول يومي) للحفاظ على ساعة النفس الداخلية (أو الساعة البيولوجية) بشكل صحي وسليم. الإنسان كائن (متفلت)، ومن هنا، فإن الأطفال (والبالغين والراشدين) في حاجة إلى ما يضبط فكرهم وشعورهم وسلوكهم ويوجههم في مسيرة الحياة اليومية نحو أهداف بعينها. هنا، ننصح بوجود خطة زمنية (أو جدول زمني) منظمة تنظيما جيدا، لا تقلب خطة الآباء والأمهات، بل تضيف إليها خانة (أو خانات) جديدة؛ فنحن نقول دائما إن الأطفال (ضيوف طويلو المقام) ولا ينبغي للضيف أن يقلب حياة المضيفين. وهذه الخطة ستعلمهم الانضباط والتنظيم لاحقا. وينطبق هذا على “وقت النوم” حيث يحتاج الأطفال أن يكونوا في السرير مُبكرا قدر المُستطاع. هذا، بطبيعة الحال، سوف يسبب تحولا أو تعديلا في نمط حياتنا بالتبعية؛ سيما أولئك الذين تعودوا البقاء مستيقظين لوقت متأخر من الليل (منطقة الجزيرة العربية وبعض الدول الأخرى) ثم هم يطلبون من أطفالهم الذهاب إلى النوم مبكرا !!! الواقع يخبرنا أننا لكي يمكننا أن نضع أطفالنا إلى أسرتهم ونومهم، فإن علينا أن نهيئ لهم بيئة هادئة وآمنة بشكل يكفي ليدخلوا في نومهم دون إزعاج أو توتر. ولأولئك الآباء والأمهات الذين تعبوا من أطفالهم الذين يضطربون قبل النوم ويقاومون الذهاب إلى سريرهم في تمرد وقلق، أقول: عليكم بما أسميه “الرحمة الثابتة” حيث الرحمة التي تستمد قوتها من معرفة الآباء والأمهات وعلمهم بأنهم يفعلون ما هو أصلح لأطفالهم في يومهم ومستقبلهم. علينا أن نكون رحماء بما يكفي لنكون صارمين مع الطفل/الطفلة؛ حتى لو استمروا بالبكاء، وحتى لو بلغ الأمر وقتا طويلا (ربما قارب الساعة)، فالأمر لا يعدو أن يكون (حربا على الصبر) والفائز فيها هو الذي يصبر/تصبر أكثر. وصدقوني إذا قلت لكم إن الأطفال يعلمون أنهم (نقطة ضعفنا)، فيأتوننا من خلالها، كما يعرفون تماما كيف يدفعوننا إلى حافة الغضب والاستسلام. وكم أتتني من أم من الأمهات تخبرني أن طفلها يدفعها إلى (الجنون) حتى إذا ما (انهارت) ضحك وغادرها إلى (لعبة أخرى) !!! نصيحتي: تجاهلوهم، أنا فعلت هذا، جربتها مع ابنتي الاثنتين، وأعلم غيري ممن فعلوا ذلك، وصبروا قليلا، ولم يأخذ الأمر وقتا طويلا (بضع ليال) قبل أن يتعود الطفل على نمط الحياة الجديد. هنا أرى أنه من المهم جدا أن نذكر أنفسنا بـ (كيفية الحفاظ على الهدوء) وما ذكرناه في النقاط السابقة.

5/ث) متاع البيت أو الأثاث: علينا أن نراعي أن الإنسان هو الأولى وليس المناع المادي! أعلم أن هذا سيكون غريبا على البعض ليقولوا: وهل نحتاج أن تذكرنا بأن أطفالنا أهم من المتاع المادي أو الأثاث ؟! أقول: أرى كثيرا من البيوتات فيها من المتاع ما يمنع الأطفال من التحرك بحرية وبصحة وبسوية نفسية، فما إن يتحرك الطفل أو يسعى لفضول أو حركة في محيط بيته حتى تفزعه صرخة من الأب أو الأم خوفا منه أن يكسر متاعا ماديا من الأمتعة المختلفة !!! نصيحتي: الاقتصاد في المتاع (حسب الحاجة الحقيقية) وعدم الإسراف، وعدم الوقوع في فخ المفاخرة والمباهاة والانشغال بآراء الآخرين، والتقليل من المتاع في البيت قدر المستطاع، وإكرام الأطفال في مساحات البيت التي تمكنهم من الحركة واللعب دون خوف أو فزع أو هلع. باختصار: المتاع القليل راحة للأهل وصحة نفسية للطفل.

5/ج) اختيار صحبة منتقاة بعناية، بحيث تكون صحبة صادقة، جادة، وسعيدة. هذه الصحبة ستمثل، فيما بعد، المجتمع الصغير الذي يحيا فيه الطفل/الطفلة ويتعرف فيه على السعادة كنماذج حية؛ كما سيكون من هذه الصحبة أيضا صحبة الطفل وصداقاته/صداقاتها وأهل المساعدة والمشورة والقدوة وغير ذلك. وهذه الصحبة من شأنها أن تدفع الطفل ليكون مؤمنا سعيدا أو مسلما (منافقا) ضعيفا.

5/ح) الاحتياجات أو الضرورات: بعد كل ما سبق من إعدادات (أساسية)، يحين الدور الآن ليقوم كل من الآباء والأمهات ليجتهدوا في تلبية الحاجات الأساسية للأطفال. وسأبدأ بالتوقف عند مفردة (الحاجة)، فكثير من الآباء والأمهات ربما قدموا للأطفال ما (يريدون) وليس ما (يحتاجون) !!! فكم يريد الأطفال ما لا يحتاجونه؟ وكم يفتقد الأطفال ما يحتاجونه مع كونهم (غارقين) فيما يريدونه؟ والتفريق بين ما يحتاج الطفل وما يريده أمر ليس سهلا، باختصار، لأن الطفل لا يمكنه أن يعبر عن نفسه بلغة مفهومة عند عامة الآباء والأمهات، كما إن الرغبة (الغريزية) التي تنمو فيه شيئا فشيئا كفيلة بأن توقعنا في الحيرة في فهم ما يطلبه إن كان حاجة (أساسية حقيقة) أو رغبة (عابرة) ؟! والمشكلة هنا أننا إذا فتحنا الباب لرغبات الأطفال ولمحبتنا (غير العاقلة وغير الموجهة) فإننا سنؤدي بهم إلى الفساد وإلى أن يتحولوا إلى (مستعبدين) لرغباتهم لاحقا.

الحاجة الأولى (الجسدية): الجو الصحي (تنفس الهواء النقي)، والماء، والغذاء (الصحي)، والنظافة (والإخراج)، والمأوى والدفء، والراحة والنوم.

الحاجة الثانية (الروحية): الشعور بالأمان والاحتواء والحب. هذه متطلبات (أساسية) للحفاظ على صحة (روحية/نفسية). ومن الوسائل التي ننصح بها هنا: التحدث معهم بلغة البالغين وعدم تكلف لغة الأطفال، فإن الأطفال يسخرون من أولئك الذين يتحدثون إليهم (باستعلاء).

إذا تم تلبية الحاجات المذكورة لدى الأطفال، فعندها لن يكون ثمة حاجة لعناء أنفسنا بما يلي:

حملهم في كل مرة يبكون أو حتى يصرخون، لأنهم سوف يعتادون على ذلك. الحالات التي ننصح بحمل الأطفال فيها ثلاث حالات: الأولى) الحاجة لرفعهم أو نقلهم أو تحريكهم (إطعامهم ونقلهم من مكان لآخر). الثانية) حاجة الأمن (عند الخوف أو الفزع مثلا). الثالثة) رغبة الأب أو الأم بذلك؛ وهنا أنبه إلى أن البعض ربما قالوا: حسنا، نحن نشتهي حملهم دائما !!! فأقول: هذا ما ينبغي أن تحذروا منه. الطفل كان جنينا للتو، وكان محمولا في الرحم، بعيدا عن الأرض، فلما نزل إلى الأرض، يظهر لي أنه استصعب فكرة (الجاذبية الأرضية) ورفضها وتمرد عليها وقاومها؛ ومن هنا، يشتاق إلى (الرحم) وإلى (الارتفاع) كلما حصل له ذلك؛ فإذا اجتمع له ذلك مع إحاطته بكم من الأهل (الأب والأم والجد والجدة وغيرهم) الذين لا يكادون يضعونه على الأرض، ينتقل بينهم من يد إل يد ومن حضن إلى آخر، لنا أن نتصور حينها كم من الصعب على هذا الطفل قبول فكرة (الأرض) أو (السرير).
الاستجابة لهم كلما بكوا طلبا لأمر ما، خصوصا إذا كنا قد منحناهم ما فيه (الأمن) وما (يحتاجونه). وهنا أنصح بالتحلي بالصبر والهدوء قدر المُستطاع وعدم الاستجابة السريعة لهم. وأتوقف هنا لأنبه على أمر مهم أيضا: بعض الآباء (وهم أكثر) والأمهات لا يستطيعون أن يحتملوا صوت بكاء الطفل فيسارعون في (إخراسه)؛ ومنهم من يخجل من مظهره/مظهرها أمام الناس (إذا حصل البكاء في وجود أصحاب أو في مكان عام مثلا) فيسارعون أيضا لإسكات الطفل (حتى لا يفضحهم).
باختصار: كلما بكوا أو صرخوا أكثر = كنا بحاجة لالتزام الهدوء والتجاهل أكثر. إنه تقريبا مثل سباق على من (يطول نفسه أكثر)؛ والفائز في النهاية من له النفس الأطول.

حفظ الله أبناءنا، وأعاننا على حسن تربيتهم

د. عبد الرحمن ذاكر الهاشمي
طبيب واستشاري العلاج النفسي والتربوي