728 x 90



img

سلسلة وياك في رمضان

1- أبناؤنا و شهر رمضان ؟

د/ العربي عطاءالله قويدري
استشاري في الإرشاد النفسي والأسري

1- مقدمـــــة:
الأطفال بهجة العمر وزينة الحياة الدنيا، والرصيد الباقي للمرء بعد موته إن أحسن تربيتهم وتنشئتهم كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه (أو ولد صالح يدعو له)، ورمضان فرصة عظيمة لها آثارها على نفوس أطفالنا إن أحسنا استغلالها والإفادة منها بما ينعكس على سلوكهم وأخلاقهم في شؤون الحياة كلها.
فالصوم مسؤولية جسيمة تتطلب قدراً من الجهد والمشقة والصبر وقوة الإرادة، إضافة إلى أنه فريضة وضع الشارع الثواب على فعلها والعقاب على تركها، مما يحتم على الأبوين ضرورة تعويد الأبناء على أداء هذه الفريضة، وتحبيبهم فيها، واستثمار هذه الفرصة الاستثمار الأمثل لغرس القيم والسلوكيات الحميدة في نفوسهم، وإضافة عدد من المهارات والتجارب لديهم .
فكيف نجعل من لحظات الصيام سعادة في قلوب أولادنا، وكيف يصبح رمضان فرحة ينتظرونها بفارغ الصبر، وكيف نستثمر هذا الشهر في غرس المعاني التربوية والإيمانية في نفوسهم؟!.
من المهم جداً أن يرى الطفل ويسمع من حوله مظاهر الحفاوة والابتهاج بهذا الشهر الكريم، فينشأ ويكبر وهو يشاهد هذه السعادة الغامرة والفرحة الكبيرة من والديه وإخوانه كلما هبت نسائم شهر رمضان، وتظل هذه الذكريات السارة محفورة في ذاكرته لا تبليها مرور الأيام ولا تمحوها كر الشهور والأعوام، ولو رجع أحدنا بذاكرته إلى الوراء عدة سنوات ليتذكر البدايات الأولى التي عاش فيها تجربة الصوم لوجدها من أكثر السنين متعة وإثارة وصورا راسخة لا تمحى .

2- شعور الأطفال برمضان :
من المهم جدًّا أن يشعر أبناؤنا أن رمضان قد جاء ليقوِّي إرادتنا، ويشد عزيمتنا، ويحررنا من الضعف والوهن، وينفض عنا الخمول والكسل. ومن الخطأ أن يظن البعض أن الانشغال بالدراسة ومتابعة الشرح والمذاكرة يعطِّل عن القيام بحق الشهر الكريم؛ من تلاوة للقرآن أو تسبيح أو تحميد أو نحوه من الطاعات, فيصبح شهر رمضان شهر كسل في الأداء، وضعف في العطاء، وعزوف عن متابعة الدروس والمذاكرة وكتابة الواجبات بحجة الصيام!
ولعل من المناسب أن يحضر الوالدان للأطفال بعض الهدايا واللعب في بداية الشهر، لتحمل معها معنى عظيماً، وهو أن هذا الشهر يأتي ويأتي معه الخير فيحبونه ويترقبونه بكل شوق وشغف .
من الأمور المهمة أيضاً تعويد الطفل على الصوم والتدرج معه في ذلك، فلا ينبغي أن ندع أطفالنا يكبرون ثم نباغتهم بالأمر بالصوم من دون أن يستعدوا له فيشق ذلك عليهم، بل لا بد من إعدادهم وتهيئتهم .
وطاقة الطفل وتحمله تزداد يوما بعد يوم، فقد يكون في هذا العام غير قادر على الصيام ولا حرج في ذلك ولا إثم فهو لم يبلغ سن التكليف بعد، كما أنه ليس بالضرورة أن يصوم الطفل الشهر كله في البداية، أو يصوم اليوم كاملاً إلى نهايته، بل يمكن أن نبدأ معه بشكل متدرج كأن يصوم للظهر ثم للعصر، ولا حرج إن كان بمقدوره تحمل الجوع مع تناول بعض الماء وهكذا حتى يعتاد الصيام .

ولا بد مع ذلك من التلطف مع الطفل، وتنمية جانب الاحتساب عنده، عن طريق بيان ما أعده الله للصائمين، وألا يفهم أن القضية جوع وعطش، بل هو عبادة وطاعة، وفوق ذلك ثواب عظيم، وجزاء كبير .
ومن المهم أيضاً أن تقترن هذه التجربة بالمكافآت والجوائز التشجيعية في نهاية يوم الصوم، أو في نهاية الشهر الكريم، ويمكن أن يفتح باب المنافسة بين الأطفال كأن يقال لهم : (من يصوم أكثر له جائزة أكبر)، من يصلي التراويح إلى نهايتها له كذا وكذا، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الطفل عادة يحب المكافأة السريعة، وهو ما يدفعه ويجعله يستمر فيما يقوم به من تكاليف، إلى أن تصبح تلك التكاليف سلوكاً وجزءاً من حياته، ولنا في صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة، فقد كانوا يُعوِّدون أبناءهم منذ نعومة أظفارهم على الصيام، وكانوا في المقابل يقدمون لهم الألعاب والدمى يتلهَّون بها عن الجوع والعطش .

3- كيف يتم تنظيم حياة أبنائنا في رمضان ؟
1- أن تكون لك جلسة مع أولادك في بداية رمضان -ويفضَّل أن يحضرها الوالد- حَدِّثيهم عن فضل الشهر الكريم، وأبواب الجنة المفتوحة, وأنه فرصة لكل منهم أن يزيد حسناته ويتقرب إلى الله.
2- ضعي معهم نظامًا لليوم وقواعد للاستفادة من الوقت كله, مثلاً صممي معهم جدولاً للأعمال اليومية المطلوب أداؤها من مذاكرة وأداء واجبات، ونظميها حسب المواعيد الجديدة في رمضان.
3- حددي للعبادات التي تريدين تعويدهم عليها أوقاتًا محددة في الجدول، مثل الصلاة في وقتها, وقراءة القرآن الكريم، والأذكار، والصلاة في المسجد، وعدم التشاجر أو التلفظ بألفاظ سيئة.. وهكذا, وفي نهاية كل يوم نُرِي كلاًّ منهم كم أخذ من الثواب اليوم.
4- قولي لهم بأنك أنتِ أيضًا تريدين الاستفادة من رمضان,؛ لذلك مطلوب منهم مساعدتك في أعمال المنزل حتى تأخذي ثواب رمضان أنت أيضًا, وحددي لكل منهم أعمالاً واضحة يستطيع أداءها, وأهمها تنظيف غرفهم وملابسهم وكتبهم وكل ما يخصهم.
5- إذا كانوا صغارًا لا تنسي أن تشركيهم معك في العبادات ليعتادوا عليها، مثل الصلاة معك والجلوس بجانبك عند قراءة القرآن.
6- إذا كانوا كبارًا حاولي تعويدهم الصلاة في المسجد إن أمكن، وكذلك صلاة التراويح حتى ولو أربع ركعات فقط.
7- أشركي والدهم معك في ذلك, واجعلي له مسئوليات محدَّدة مثل متابعتهم دراسيًّا، ومساعداتهم في استذكار دروسهم.
8- التليفزيون في رمضان من أكثر الأشياء التي تضيع وقت الأولاد والأسرة كلها؛ لذلك مهم جدًّا تحديد واختيار برامج مناسبة لهم يتابعها الأطفال, وفيما عدا ذلك يغلق التلفزيون, وارفعي في بيتك شعار “رمضان شهر العبادة”.
9- نظمي لأولادك مواعيد نومهم حسب مواعيد مدارسهم وطاقتهم, ويفضَّل أن يكون النوم قبل الإفطار, وحددي لهم أوقات استذكارهم بعد صلاة الفجر وبعد صلاة التراويح, ولا تتركي الأمر عشوائيًّا.
10- أخبري أولادك أن الصيام لا يعطِّل مسيرة الحياة, وإنما يدفعها نحو الإتقان والتحسين ومراقبة الله! وليس هناك فصل بين العبادة وطلب العلم, وأخبريهم أن طلب العلم فريضة كما قال النبي : “إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع”. وعرفيهم أيضًا أننا أُمَّة العلم, وأن أول كلمة نزلت في كتاب الله تعالى “اقرأ”، وأن الإسلام يعدّ طلب العلم عبادة من أعظم العبادات، وقُربة من أعظم القربات.